يالها من خطابات سياسية وفكرية محمومة تعيشها الساحة السياسية التونسية كل حزب وكل تيار يحاول أن يحقق أكبر نسبة تأييد من الشارع التونسي تمهيدا لانتخابات المجلس التأسيسي المقررة في 24 جويلية
هذه الإنتخابات ستكون الفيصل والمحدد لمسار البلاد وهويتها وحتى علاقاتها الخارجية وسياستها الدولية
هذا التجاذب السياسي هو ظاهرة صحية لديمقراطية واعدة حيث ستشارك مختلف الإتجاهات الفكرية في هذا العرس الديمقراطي القادم دون تهميش أو إقصاء من أي سلطة عليا فالشعب أصبح قادرا على تقرير مصيره دون وصاية من أحد فزمن الوصاية قد ولى
وعندما نتحدث عن بنية عملية سياسية لا بد أن نذكر أهم قطبين فكريين ألا وهم الإسلاميون والعلمانيون فهذين التيارين نقاط ضعف سيعملان على تحجيمها ونقاط قوة سيظهرانها لكسب اكبر نسبة من التأييد
فالتيار العلماني صاحب الخطاب الحداثي المرتكز على أطروحات حرية المرأة ومساواتها بالرجل والمطالب بلائكية الدولة على النمط الغربي يمتلك سلاحا من أهم الأسلحة وهو سلاح الإعلام فأقطاب هذا التيار يمتلكون أغلب القنوات الفضائية الخاصة وحتى العمومية مما يمكنهم من التواصل مع الشارع والتأثير المباشر على أفكاره وتحديد اختياراته، كما أن العلمانيين مازالوا يسيطرون على دواليب الدولة بحكم خمسين سنة من العمل الحر دون ضغوطات كبيرة سواء من سلطة بن علي أو بورقيبة، كما أنه يملك المال والمساندة من الدوائر الغربية مما يزيده قوة وعندما يجتمع المال بالإعلام وبالدعم الخارجي أو على الأقل التأييد الدولي فانه يعطي قوة ودفعا هائلين
لكن هذه الأرضية الصلبة التي ينطلق منها العلمانيون في العمل السياسي ستصطدم بتاريخ غير مشرف بدءا بتأييد بعض أقطاب هذا التيار لدكتاتورية بورقيبة وانتهاءا بمساندة حملة بن علي الشعواء ضد الإسلاميين وغيرهم من الأطياف السياسية المعارضة مما أفقد التيار العلماني ثقة شرائح هامة من المجتمع التونسي بعد الثورة وأظهرهم في موقف المتزلف والمستغل للأوضاع كما أن بعض أطروحات العلمانيين الغريبة عن الثقافة الإسلامية المحافظة للشعب التونسي كمطالب المساواة في الميراث بين الجنسين وعمله على إلغاء الفصل الأول من دستور 1959 الذي يؤكد على عروبة تونس وإسلامها ستفقده بعضا من التأييد
الخطاب العلماني سيلقى أمامه خطابا آخر يرتكز على المفاهيم الدينية والثقافة الإسلامية الذي يملك بدوره نقاط قوة تتمثل بتاريخ حافل من مجابهة الدكتاتورية مما أكسب الإسلاميين مصداقية في الشارع خاصة بعد ما تعرض له أنصار هذا التيار من تعذيب و ملاحقات كما أن المبادئ التي ينطلق منها تلقى رواجا في المجتمع المتعطش لمفاهيم ومصطلحات الخطاب الإسلامي بعد سنوات من سياسة تجفيف منابع الإسلام التي اعتمدها نظام بن علي وقبله نظام بورقيبة إلا أن الإسلاميين سيواجهون مخلفات عقدين من سياسة ممنهجة اعتمدها النظام السابق لإخافة المجتمع من الحركات الإسلامية ووصفها بالتطرف والإرهاب ومعاداة المرأة ومجلتها ورفض مبادئ الديمقراطية
هذا الاتهام الذي سيعمل التيار الإسلامي على نفيه بطرح خطاب وسطي تبنته حركة النهضة أبرز الحركات الإسلامية حيث أعلن زعيمها الشيخ راشد الغنوشي قبوله مجلة الأحوال الشخصية واعتبارها اجتهادا إسلاميا وتمسكه بمبادئ العمل الديمقراطي.
العلمانيون والإسلاميون سيعملون جاهدين على كسب التأييد لكن خطابهم السياسي والفكري سيصطدم بواقع اجتماعي صعب لن تتمكن منابر التنظير والدعاية من فك رموزه ولن يكون لهذا الخطاب مكان في سلة المواطن البسيط الذي لا يكترث للنظريات والمصطلحات والمفاهيم
0 commentaires:
Enregistrer un commentaire